إن النمو السريع للسكان واتساع رقعة التحضّر قد وضع الحكومات أمام تحديات كبيرة في مجال توفير البنية التحتية الحضرية. وفي ظل محدودية الموارد المالية الحكومية، برزت الحاجة إلى نماذج مبتكرة ومستدامة لتطوير البنية التحتية. وتُعدّ مشاركة القطاع الخاص عاملاً رئيسياً ومحفزاً أساسياً في التنمية الحضرية المستدامة، إذ يمكنها سدّ الفجوة التمويلية والإدارية وإحداث تحوّل جذري في المشاريع الإنشائية والخدمات المدنية.
تُعدّ البنى التحتية مثل النقل والطاقة والمياه والصرف الصحي والاتصالات والإسكان العمود الفقري للنمو الاقتصادي والاجتماعي. غير أن تمويل هذه المشاريع، نظراً لتكاليفها العالية وطول فترة استرداد رأس المال، يتجاوز قدرات الحكومات. ومن هنا تأتي أهمية نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) الذي يتيح الاستفادة من رأس المال والخبرة الإدارية للقطاع الخاص، مع توزيع المخاطر وزيادة الكفاءة وتقليل التكاليف التنفيذية.
توزيع المخاطر المالية والتشغيلية: تُقسّم مخاطر البناء والتشغيل والصيانة بين القطاعين العام والخاص.
رفع الكفاءة والشفافية: المنافسة في القطاع الخاص تؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتعزيز الشفافية المالية والإدارية.
الوصول إلى التقنيات الحديثة: تمتلك الشركات الخاصة وصولاً أكبر إلى التكنولوجيا المتقدمة، مما يحسّن جودة المشاريع.
تمويل طويل الأجل ومستدام: الشراكة مع المؤسسات المالية الخاصة توفر إمكانية الحصول على تمويل واسع النطاق.
تُستخدم عدة نماذج من الشراكات بين القطاعين العام والخاص في المشاريع الحضرية والإنشائية، ولكل منها خصائص ومزايا محددة:
BOT (البناء – التشغيل – النقل)
يقوم القطاع الخاص بتصميم المشروع وتنفيذه وتشغيله لفترة محددة، ثم يُعيد ملكيته للحكومة. ويُستخدم هذا النموذج عادة في مشاريع النقل ومحطات المعالجة.
BOO (البناء – التملك – التشغيل)
يحتفظ القطاع الخاص بملكية المشروع وتشغيله بشكل دائم. ومن أمثلة ذلك محطات توليد الكهرباء ومشاريع الطاقة المتجددة.
DBFO (التصميم – البناء – التمويل – التشغيل)
يتحمل القطاع الخاص كامل المسؤولية عن تصميم المشروع وبنائه وتمويله وتشغيله، ويُعتبر مناسباً لمشاريع الطرق السريعة والجسور والمطارات.
Lease-Develop-Operate (الإيجار – التطوير – التشغيل)
يقوم القطاع الخاص بتأجير البنية التحتية القائمة وتطويرها وتشغيلها، ويُستخدم هذا النموذج في إعادة تأهيل وتحديث المناطق الحضرية القديمة.
على الرغم من المزايا الواضحة، تواجه مشاركة القطاع الخاص في تطوير البنية التحتية الحضرية في إيران عدداً من التحديات، من أهمها:
عدم الاستقرار الاقتصادي: تقلبات أسعار الصرف والتضخم المرتفع تزيد من مخاطر الاستثمار.
البيروقراطية المعقدة والمطوّلة: الإجراءات الإدارية الطويلة وغير الشفافة تحدّ من حماس المستثمرين.
غياب إطار قانوني واضح: نقص العقود المعيارية وغياب التشريعات المتينة يزيد من المخاطر القانونية.
صعوبة الوصول إلى التمويل الدولي: العقوبات ومشكلات تحويل الأموال تعيق الحصول على التمويل الخارجي.
لتحقيق الاستفادة القصوى من قدرات القطاع الخاص، يجب تطبيق الاستراتيجيات التالية:
تعزيز الإطار القانوني والرقابي: تحديد واضح لحقوق والتزامات الأطراف وإنشاء آليات فعالة لتسوية النزاعات.
تبسيط الإجراءات الإدارية وتقليل البيروقراطية: من خلال إنشاء نافذة موحدة لخدمات الاستثمار لتسريع منح التراخيص.
تقديم حوافز مالية وضمانات حكومية: مثل ضمان شراء الخدمات والإعفاءات الضريبية والتسهيلات المصرفية الخاصة.
زيادة الشفافية والرقابة على العقود: عبر أنظمة مراقبة دقيقة لمتابعة تنفيذ المشاريع وتكاليفها.
أثبتت مشاريع مثل Crossrail في لندن ومترو دبي ومطار إسطنبول أن نموذج PPP لا يحقق فقط تمويلاً مستداماً وتقليصاً للمخاطر، بل يرفع أيضاً من كفاءة التنفيذ وجودة المشاريع. وفي إيران، تُعد مشاريع مثل تطوير مطار الإمام الخميني (ره) والطريق السريع طهران–شمال أمثلة واضحة على نجاح هذا النموذج التعاوني.
هل يمكن لنماذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص أن تساهم في حل التحديات الراهنة للبنية التحتية الحضرية في إيران؟
وما تجاربكم في المشاريع الإنشائية التي تعتمد هذا النموذج؟
نرحّب بآرائكم ومقترحاتكم حول هذا الموضوع الحيوي.